الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)
.فصل في المزارعة: ابن عرفة هي شركة الحرث. وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو دابة أو شيء إلا كان له صدقة). القرطبي: يستحب لمريد البذر في الأرض أن يقول بعد الاستعاذة: أفرأيتم ما تحرثون} (الواقعة: 63) الآية. ثم يقول: الله الزارع والمنبت والمبلغ، اللهم صلِّ على محمد وارزقنا ثمره وجنبنا ضرره، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين، فإنه أمان لذلك الزرع من جميع الآفات الدود والجراد وغير ذلك. وقد جرب فوجد كذلك. اهـ. البرزلي: ويستحب أن ينوي أنه يزرع ويغرس لينتفع به هو وجميع المسلمين فيحصل له ثوابه ما دام قائماً على أصوله، وإن تبدلت ملاكه. اهـ.وللمزارعة عشر صور خمسة جائزة وخمسة ممنوعة فمن الجائز قوله:(إن عمل العامل في المزارعة والأرض من ثان فلا ممانعة). والمراد بالعمل عمل اليد والبقر، فإذا أخرج أحدهما ذلك وأخرج الآخر الأرض جازت هذه الشركة بشرطها المشار له بقوله: (إن أخرجا) معاً (البذر على نسبة ما قد جعلاه جزءاً) بضم الزاي لغة فيه (بينهما) في المصيف، فإن دخلا على أن ما يحصل في المصيف يكون لذي العمل نصفه ولرب الأرض نصفه جاز إذا أخرج كل منهما نصف الزريعة، وإذا دخلا على أن لصاحب العمل أو الأرض سدس ما يحصل جاز أيضاً إذا أخرج كل منهما من الزريعة بقدر ما يأخذ في المصيف وهكذا. وهو معنى قوله: (كالنصف أو كنصفه) وهو الربع (أو السدس) فما بعد الكاف مثال للجزء الذي دخلا على أخذه في المصيف وظاهره الجواز، ولو كانت قيمة العمل لا تعادل قيمة كراء الأرض وبالعكس، وهو كذلك على القول الذي لا يشترط السلامة من التفاوت في المزارعة، وعليه فتجوز ولو لم يقوِّما العمل ولا عرفا كراء الأرض وهو قول عيسى بن دينار، وعليه العمل كما في المفيد والجزائري وابن مغيث وتبعهم الناظم فقال: (والعمل اليوم به) أي بهذا القول الذي لا يشترط السلامة من التفاوت (في) جزيرة (الأندلس)، بل وكذلك في مغربنا اليوم لأن عملنا تابع لعملهم، وسميت جزيرة لأن البحر محيط بها من جهاتها إلا الجهة الشمالية فهي مثلثة الشكل، وأول من سكنها بعد الطوفان أندلس بن يافث بن نوح عليه السلام فسميت به. ومفهوم قوله: إن أخرجا إلخ. أنهما إذا لم يخرجا البذر على نسبة ما ذكر كما لو دخلا على المناصفة فيما يحصل فى المصيف، ولكن البذر على أحدهما ثلثاه وعلى الآخر ثلثه، فإن ذلك لا يجوز وهو كذلك على تفصيل، فإن كان مخرج ثلثيه هو رب الأرض فلا إشكال في الجواز لأن ما زاده من سدس البذر في مقابلة العمل أو هبة، وإن كان مخرج ثلثيه هو العامل فإن كان على أن يأخذ كل منهما بقدر بذره جاز، وإن كان على أن يأخذ كل نصف الزرع امتنع، لأن ما زاده من سدس البذر هو في مقابلة الأرض، فإن نزل فلكل واحد من الزرع بقدر بذره ويتراجعان في فصل الأكرية. قال سحنون: انظر شرحنا للشامل، وإنما امتنع هذا الوجه لأنه من كراء الأرض بطعام، وتقدم في فصل كراء الأرض منعه، وتقدم هناك أيضاً من يقول بجواز كرائها بكل شيء ولو طعاماً، وعليه فإذا اعتادوا في بلد التفاوت في البذر لا ينكر عليهم كما مر نظيره عن المسناوي وابن لب في البابين قبله، ولاسيما إذا لم يجد من يتعامل معه على الوجه الجائز وقد قال البرزلي: تجوز المعاملة الفاسدة لمن لا يجد مندوحة عنها كالإجارة والمزارعة والشركة وغير ذلك من سائر المعاملات، وقد روي عن الفقيه ابن عيشون أنه خاف على زرعه الهلاك فآجر عليه إجارة فاسدة حين لم يجد الجائزة قال: ومثله لو عم الحرام في الأسواق ولا مندوحة عن غير ذلك، والمبيح الضرورة كما جاز للمضطر أكل الميتة. اهـ. وتقدم نحو هذا عن ابن سراج في الإجارة، وقال الجزولي عند قول الرسالة: ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع الخ ما نصه. انظر على هذا لو اضطر إلى المعاملة بالحرام مثل أن يكون الناس لا يتعاملون إلا بالحرام ولا يجد من يتعامل بالحلال هل له أن يتعامل بالحرام أم لا؟ وقد قال عليه السلام: (لو كانت الدنيا بركة دم لكان قوت المؤمن منها حلالاً) وكذلك إذا كان لا يجد من يزرع إلا بكراء الأرض بما تنبته أو كان لا يجد إلا من يشترط شركة فاسدة وليس له صنعة إلا الحرث أو مثل الحصاد بالقبضة إذا كان لا يجد من يحصد إلا بها. قال الشيخ: أما إذا تحققت الضرورة فيجوز، وقد سمعت بعض الشيوخ يقول في قوم نزلوا بموضع قد انجلى أهله عنه وكان الذين نزلوا به لا صنعة لهم إلا الحرث: أنه يجوز لهم أن يحرثوا تلك الأرض التي ارتحل أهلها عنها. قال: وذكر عن الفقيه ابن عيشون أنه حصد زرعه بإجارة فاسدة لأجل الضرورة. اهـ. وفي السفر الثالث من المعيار قال أصبغ: ينظر إلى أمر الناس فما اضطروا إليه مما لابد لهم منه ولا يجدون العمل إلا به، فأرجو أن لا يكون به بأس إذا عم. اهـ. فهذا كله مما يدل للجواز مع الضرورة، وأيضاً فإنما يقال ما زاده من سدس البذر هو في مقابلة الأرض إذا كان كراء الأرض يزيد على قيمة العمل، وإلاَّ فهو محض هبة وتقدم أنه على ما به العمل لا يشترط معرفة قيمة الأرض ولا العمل ومقابل العمل الذي في النظم هو ما أشار له (خ) بقوله: إن سلما من كراء الأرض بممنوع وقابلها مساوٍ إلخ. وعليه فإذا كانت قيمة الأرض مائة وقيمة العمل خمسين ودخلا على المناصفة في البذر وما يحصل في المصيف لم يجز لوجود التفاوت. وقد اشتمل كلام الناظم على ثلاث صور من صور المزارعة اثنتان جائزتان وهما صورة المنطوق وواحدة من صورتي المفهوم كما مر، وستأتي الصور الثلاث الباقية من الخمس الجائزة عند قوله: وجاز في البذر اشتراك إلخ. (والتزمت) لو قال: ولزمت (بالعقد كالإجارة) وهو قول ابن الماجشون وسحنون وابن القاسم في كتاب ابن سحنون، وبه قال ابن زرب وابن الحارث وابن الحاج ووقع الحكم به، وبه كان يفتي ابن رشد وصححه في الشامل فقال: عقد المزارعة لازم قبل البذر على الأصح، وقيل لا تلزم إلا بالشروع في العمل وهو لابن كنانة في المبسوط وابن رشد وبه جرت الفتوى بقرطبة. (وقيل) لا تلزم بالعقد ولا بالشروع (بل بالبذر للعمارة) وهو قول ابن القاسم في المدونة وعليه عول (خ) إذ قال: لكل فسخ المزارعة إن لم يبذر. ومعناه كما لابن رشد أنها تلزمهما فيما بذرا من قليل أو كثير ولا تلزمهما فيما بقي ولكل فسخها، فإن عجز أحدهما بعد البذر فإنه يقال لشريكه: اعمل فإذا طاب الزرع بع واستوف حقك والزيادة له والنقصان عليه يتبع به كما مر في المساقاة وقاله في النوادر، فإذا أذهب السيل بذر أحدهما فأبى أن يعيد بذراً آخر فإنه لا يجبر لأن عملهما قد تم، وأما على ما صدر به الناظم فإنه إذا أبى أحدهما من إتمامها بعد عقدها صحيحة فإنه يجبر على الإتمام، وكذا يقال على لزومها بالشروع أيضاً. ومما ينبني على الخلاف لو زارع رجل شخصاً آخر، فلما قلب الأرض عامل غيره على عملها من أجل عجز عنها أو غيره أن الزرع لرب الأرض وللعامل الآخر وليس للعامل الأول شيء وله كراؤه على العامل الآخر ثمناً وسواء علم الأخير بالأول أم لا، قال البرزلي: هذا على أن المزارعة لا تلزم بالعقد ولا بالشروع فأشبه عامل القراض إذا أخذ القراض وأعطاه قبل العمل فليس له من الربح شيء، وعلى القول بلزومها بالعقد أو الشروع الشركة الثانية للعامل الأول والثاني، ويبقى نصيب رب الأرض على حاله كالمساقاة. اهـ. وهذا إذا أدخل العامل الأول الثاني لعجز ونحوه أو لم يدخله بل أدخله رب الأرض كما ترى. وفي ابن سلمون وابن عات: الزرع لرب الأرض وللعامل الأجر بالجيم الساكنة، وصوابه الآخر بالخاء المعجمة بدليل قوله: وليس للوسط شيء يعني العامل الأول لأنه يفيد أن الآخر يأخذ من الزرع لا أنه يأخذ الأجرة فقط، وبدليل تشبيه البرزلي له بعامل القراض يعطيه للغير قبل العمل المشار له بقول (خ) أو قارض بلا إذن وغرم للعامل الثاني إن دخلا على أكثر إلخ. كذا كتبه أبو العباس الملوي رحمه الله. وعلى أنها تلزم بالعقد يجوز إدخال الخماس فيما حرثه رب الزرع قبله ويجوز السلف أيضاً على أنها لا تلزم إلا بالبذر، فيجوز فيهما. انظر شرحنا للشامل. ولما كان المراد بالعمل في المزارعة إذا أطلق هو عمل الحرث فقط، وأما الحصاد والدراس والتصفية فإنها لا تندرج فيه عند السكت بل ذلك عليهما على قدر الأنصباء إلا لشرط نبه عليه الناظم فقال: (والدرس) للزرع (والنقلة) له من الفدان (مهما اشترطا مع عمل) الحراثة (كان) ذلك الشرط لازماً (على ما شرطا) والعادة كالشرط وهو قول ابن القاسم في رواية حسين بن عاصم عنه، وبه العمل حسبما للجزيري في وثائقه. وقال سحنون: لا يجوز اشتراط ذلك لأنه مجهول، واختاره ابن يونس. قال أبو حفص: تكلم ابن القاسم على أرض النيل التي أمرها معروف بالعادة، وتكلم سحنون على أرض إفريقية التي يختلف الأمر فيها فمرة تخصب فتكون مؤنة الحصاد كثيرة الثمن، وربما لم يكن خصب فيقل ثمن ذلك. اهـ. ويمكن أن يقال مذهب ابن القاسم الجواز في أرض النيل وغيرها، كما أفاده الناظم لأن الغالب إتيان الزرع على مقتضى العادة وإتيانه على خلافها نادر وهو لا حكم له. البرزلي: لو قال أحدهما عليك أجرة الحصادين وعلي الغداء والعشاء جاز ذلك إن عرف قدره. اهـ. (والشرط) أي اشتراط رب الأرض على العامل إذا دخل والأرض معمورة أي مقلوبة (أن يخرج) بعد حصاد الزرع (عن معمور) الأرض فيقلبها له حتى تصير (مثل) القليب (الذي ألفى) وقت دخوله (من المحظور) خبر عن الشرط وهو بالظاء المشالة كقوله تعالى: {وما كان عطاء ربك محظوراً} (الإسراء: 20) أي ممنوعاً ولعل وجه المنع أنه من باب قول (خ): وأجير تأخر شهراً، لأن رب الأرض قد نقده العمارة في مثلها بعد شهور فإن دخلا على الشرط المذكور فسخ العقد كما قال: (وليس للشركة معه) بالسكون أي الشرط (من بقا) بل يتحتم فسخها، وهذا قبل العمل فإن فاتت بالعمل فإن الأرض تقوم بتلك العمارة ويقوم عمل العامل فما فضل من قيمة كراء الأرض بتلك العمارة على قيمة عمل العامل، أو من قيمة العمل على كراء الأرض أخذه منه صاحب الزيادة، قاله ابن سلمون والمتيطية ونحوه في الوثائق المجموعة انظر (م). (وبيعه) أي القليب المذكور (منه) أي العامل (يسوغ مطلقا) بمعجل أو مؤجل كما في ابن سلمون، وليس هذا من اجتماع البيع والشركة في عقد وهو لا يسوغ كما مرّ صدر البيوع لأن القليب المذكور هو في نفس الشيء المشترك فيه لا ينفصل عنه ولا يزايله قاله اليزناسني وأما هبته للعامل فيجوز أيضاً على ما به العمل من عدم اشتراط السلامة من التفاوت لا على مقابله لأنه له خطر وبال كالأرض التي لها ذلك كما في المتيطية. (وحيث لا بيع) ولا هبة للقليب المذكور (وعامل زرع) فيه من غير تعرض لبيع ولا لغيره (فغرمه) أي العامل (القيمة) لذلك القليب (فيه) متعلق بقوله (ما امتنع) أي ما يمتنع من غرمه القيمة ولا محيد له عنه كما مر عن ابن سلمون، فإن ادعى العامل أنه وهبه له فله اليمين على رب الأرض كما في نوازل ابن رشد وهي من دعوى المعروف ومعروف المذهب توجيهها قاله الونشريسي في جواب له نقله العلمي في الغصب والتعدي. (وحق رب الأرض) صوابه وحق ذلك العامل كما قال ولده (فيما قد عمر باق إذا لم ينبت الذي بذر) أي إذا قلب العامل الأرض وزرعها ولم ينبت زرعه فحقه باق قي العمارة له أن يزرعها مرة أخرى أو يبيعها ممن شاء، بخلاف ما إذا نبت الزرع ويبس أو أصابته آفة من جراد ونحوه فإنه لا حق له كما قال: (بعكس ما كان له نبات ولم يكن بعد) أي بعد النبات (له ثبات) قاله ابن فتحون وغيره.قلت: وعلى هذا تجري مسألة المكتري للأرض يجاح زرعه بعد النبات أو لا ينبت أصلاً فلا حق له في القليب في الأول دون الثاني والله أعلم. (وجاز) للمتزارعين (في البذر اشتراك و) في (البقر) عطف على البذر (إن كان من ناحية) أي من أحدهما فقط (ما يعتمر) وهو الأرض، وظاهره سواء قابلها عمل يد الآخر كما لو كان عمل اليد عليه وحده أو كان عمل اليد عليهما معاً أيضاً وهو كذلك، وظاهره ولو كانت الأرض في الصورة الثانية لها خطر وبال وهو كذلك لما مر من أنه لا يشترط عدم التفاوت على المعمول به، وظاهره أيضاً سواء كان يأخذ كل واحد من الزرع بقدر ما أخرج من البذر أم لا كما لو أخرج أحدهما الأرض ونصف البقر وثلثي البذر، وأخرج الآخر عمل يده ونصف البقر وثلث البذر على أن يكون الزرع بينهما نصفين، وهو كذلك كما تقدم في الصورة الأولى من صورتي مفهوم البيت في أول الفصل، وأما العكس وهو أن يخرج أحدهما عمل اليد ونصف البقر وثلث البذر، ويخرج الآخر الأرض ونصف البقر وثلث البذر فإن كان على أن يأخذ كل منهما من الزرع بقدر بذره جاز، وإن كان على أن يأخذ كل نصف الزرع امتنع لأن العامل نقص له عن نسبة بذره، وذلك يوجب أن سدس بذره في مقابلة الأرض كما مر (خ): أو بعضه إن لم ينقص ما للعامل عن نسبة بذره، ويفهم من النظم أنهما إذا استويا في الأرض والبقر والبذر واليد تجوز بالأحرى. (خ): مشبهاً في الجواز إن كان تساوياً في الجميع. عياض: وجوه المزارعة ثلاثة. وجه جائز باتفاق وهو اشتراكهما في الأرض والآلة والعمل والبذر بحيث إذا ضاع شيء يكون ضمانه منهما معاً، ووجه لا يختلف في منعه وهو اختصاص أحدهما بكون البذر من عنده خاصة ومن عند الآخر الأرض التي لها قيمة اشتركا في غير ذلك أم لا. اختلفوا فيما سواه أو تساووا لأنه كراء الأرض بما يخرج منها إلا على ما للداودي ويحيى في جواز كراء الأرض بما يخرج منها على مذهب الليث، وذلك خارج عن مذهب مالك. والوجه الثالث هو ما عدا هذين الوجهين وهو مختلف فيه كيفما قدرته. اهـ.ومن الجائز أيضاً أن تكون الأرض منهما معاً والبذر من أحدهما وعمل البقر واليد أو عمل اليد فقط من الآخر ومنه أيضاً أن يكون البذر منهما معاً والأرض من أحدهما وقابلها عمل من الآخر. وهي المتقدمة في أول الفصل والفرق بينها وبين ما في النظم هاهنا أن ما تقدم عمل البقر واليد من أحدهما. والأرض من الآخر بخلاف ما هنا. ومنه أيضاً أن تكون الأرض والبذر منهما وعمل اليد والبقر على أحدهما ومنه أيضاً أن يكون لأحدهما الجميع إلا عمل اليد وهي مسألة الخماس والعمل على جوازها للضرورة كما قال ناظم العمل: وظاهر قوله: للضرورة ولو عقداها بلفظ الإجارة أو أطلقا، ويؤيده ما مر أول هذا الفصل وما مر عن ابن يونس أول المساقاة من أن قبح اللفظ لا يضر مع اتفاق المعنى، وتقدم هناك أيضاً الخلاف في زكاة زرع الخماس على من تكون وأن زكاة الحصاد بأجرة من الزرع على رب الزرع، وكذا عليه زكاة ما يلقطه اللقاط إن شرط الحصاد لقطه معه لا إن لم يشترط لقطه وكان اللقاط يلقطه لنفسه.فروع:الأول: سئل ابن أبي زيد عمن يدفع الأرض بربعها ويخرج ربع الزريعة أيضاً ويأخذ ربع الزرع؟ فقال: يجوز ذلك إذا تقاربت قيمة الأرض مع قيمة العمل. اهـ. قلت: إنما يشترط التقارب المذكور على المشهور الذي يشترط عدم التفاوت لا على ما به العمل من عدم اشتراطه كما مر.الثاني: إعطاء الثور لمن يحرث عليه بالخمس من الزرع أجازه الفقيه راشد قياساً على الخمس، ومنعه أبو عمران وعمل الناس اليوم على الأول، وأما إعطاء الأرض بجزء مما تنبته فتقدم الكلام عليه في كراء الأرض.الثالث: إن عجز أحد المتزارعين في أثناء الحرب وسلم لصاحبه فيما كانا حرثاه معاً فذلك لازم له قاله البرزلي، ونقله صاحب كتاب المغارسة.الرابع: تقدم من اشترى زريعة فوجدها لم تنبت أنظرها في عيب الأصول، وقد ذكر المسألة هنا في المتيطية وغيرها. (والزرع للزارع) وحده (في أشياء ورب الأرض يأخذ الكراء) ولا حظ له في الزرع، وذكر الناظم من ذلك أربعة مسائل فقال: (كمثل ما في الغصب) يزرع الأرض ويقر بالعداء أو يفوت الإبان فعليه كراء المثل كما أشار له (خ) بقوله: وإن زرع أي الغاصب فاستحقت أي قام مالكها فإن لم ينتفع بالزرع أخذ بلا شيء، وإلاَّ فله قلعه إن لم يفت وقت ما تراد له وإلاَّ فله كراء المثل إلخ. وقد تقدم تحصيل ذلك في فصل الكراء والجائحة فيه فراجع تفصيله هناك. (والطلاق) يعني أن من أمتعته زوجته بأرضها فزرعها ثم طلقها فالزرع له، وفي الكراء الخلاف المتقدم في فصل أحكام من الكراء (وموت) أحد (زوجين) بعد أن أمتع صاحبه بأرضه وزرعها فالزرع له وفي الكراء الخلاف المتقدم في الفصل المذكور (والاستحقاق) يعني أن من زرع أرضاً بشبهة شراء أو إرث أو اكتراء ولم يعلم بغصب بائعها أو مكتريها أو موروثة فاستحقت من يده قبل فوات الإبان فله الزرع وعليه كراء المثل، فإن لم تستحق إلا بعد فواته فالزرع له أيضاً ولا شيء عليه من الكراء، وهذا هو الفرق بينه وبين الغاصب. (خ): كذي شبهة أو جهل حاله إلخ. وقال في الشامل: ولا شيء لمستحقها في زرع ذي شبهة ونحوه إن فات الإبان وإلاَّ فله كراء سنة. اهـ. ومن هذا أيضاً ما في ابن يونس عن أصبغ قال: من زرع أرض جاره وقال: غلطت، أو كان مكترياً لها ولا يعرف ذلك، إلا من قوله، أو بنى في عرصة جاره وقال: غلطت فلا يعذر الباني ويعطيه قيمته مقلوعاً أو يأمره بقلعه، وفي الحرث يشبه أن يكون غلط فيحلف ويقر زرعه ويؤدي كراء المثل فات الإبان أم لا. وهو على الخطأ حتى يتبين العمد انظر البرزلي وابن سلمون والمتيطية. (والخلف فيه) أي الزرع لمن يكون (هاهنا) في باب المزارعة (إن وقعا ما) أي شيء (الشرع) مبتدأ خبره (مقتض له أن يمنعا) والجملة صفة لما أوصله والرابط المجرور باللام أي: إن وقع. وفي المزارعة شيء يوجب الفساد والشرع مقتض المنع له فإن اطلع على ذلك قبل الفوات بالعمل فسخ، وإن فات به فاختلف في الزرع لمن يكون على أقوال ستة. (قيل) الزرع كله (لذي البذر) أي لمخرجه ويؤدي لأصحابه كراء ما أخرجوه فإن أخرجاه معاً فالزرع بينهما على نسبة بذريهما ويترادان في كراء غيره وهو رواية ابن غازي (أو) أي وقيل الزرع كله لصاحب (الحراثة) أي العمل وهو تأويل أبي زيد عن ابن القاسم (أو) أي وقيل الزرع كله ل (محرز لاثنين من ثلاثة) وهي: (الأرض والبذر والاعتمار) أي العمل باليد والبقر أو اليد فقط، فيكون الزرع لمن له الأرض مع البذر، أو الأرض مع العمل، أو البذر مع العمل فإن كانوا ثلاثة واجتمع لواحد منهم شيئان منها دون صاحبيه كان الزرع له دونهما، وإن اجتمع لكل واحد منهم شيئان منها أو انفرد كل واحد منهم بشيء منها كان الزرع بينهم أثلاثاً وهو قول ابن القاسم، واختاره ابن المواز وهو المعتمد، فكان على الناظم أن يصدر به أو يقتصر عليه، وعليه فإذا كان على أحدهما ثلثا البذر وعلى الآخر الأرض وثلث البذر والبقر بينهما وعمل اليد على أحدهما فالزرع كله لعامل اليد وعليه للآخر كراء أرضه وبقره، ومثل بذره لقوله في النهاية. قال ابن المواز عن ابن القاسم: إن الزرع كله في فساد المزارعة لمن ولي العمل، فإن كان رب الأرض هو العامل فعليه للآخر مثل بذره، وإن كان صاحب البذر هو العامل فعليه للآخر كراء أرضه، وإن عملاً جميعاً غرم هذا لهذا نصف بذره وهذا لهذا نصف كراء أرضه وعليه عول (خ) إذ قال: وإن فسدت وتكافآ عملا فبينهما وترادا غيره وإلا فللعامل إلخ. أي عامل البقر واليد أو اليد فقط كما مر، وظاهره أن الزرع لصاحب البذر إذا انضاف إليه عمل ولو أسلف نصفه لصاحبه، والذي في البرزلي أن الزرع يكون بينهما على ما شرطا، ولمسلف الزريعة أخذها من صاحبه ويرجع من له فضل على الآخر. (وفيه) أي الزرع (أيضاً غير ذاك) أي غير ما ذكر من الأقوال الثلاثة (جار) فقد قيل: إنه لمن اجتمع له ثلاثة أيضاً على هذا الترتيب وهي أرض وبقر وعمل يد، وقيل هو لمن اجتمع له اثنان من أربعة. الأرض والعمل والبذر والبقر، وقيل وهو لابن حبيب إن سلمت المزارعة من كراء الأرض بما يخرج منها فالزرع بينهما على ما شرطا ويترادان في الزائد، وإن لم تسلم من ذلك فالزرع لصاحب البذر. حكى الأقوال الستة صاحب المقدمات وإليها رمز ابن غازي بقوله: والمراد بالمخابر هنا الذي يعطي أرضه بما يخرج منها والعينات للعمل والألفات الثلاث للأرض والباءان للبذر والثاءان المثلثتان للثيران. (و) إذا تنازعا بعد الفوات فادعى العامل الاكتراء للأرض، وادعى رب الأرض المزارعة أو العكس فالقول (قول مدع لعقد الاكترا) كأن مدعيه هو رب الأرض أو العامل ولا يصدق العامل في دفعه كما في المتيطية (لا) قول مدع (الازدراع) ومن صدق منهما فذلك (مع يمين أثرا) أي روي عن ابن القاسم وبه قال ابن حبيب وظاهره كان الغالب الازدراع أو الكراء، والذي تقدم في اختلاف المتبايعين أن القول لمدعي الغالب، فإن لم يكن غالب فقد تقدم أن القول لمنكر العقد إجماعاً فكل منهما ينكر عقد صاحبه ويدعي عقداً آخر، والناظم درج على أن المزارعة تلزم بالعقد كالكراء، وحينئذ إذا لم يكن غالب وتنازعا قبل العمل تحالفا وتفاسخا، فإن فاتت به فالقول لمدعي الكراء إن كان هو العامل لأن الآخر يريد أن يشاركه في الزرع بمجرد الدعوى فانظر ذلك وتأمله والله أعلم. وعن سحنون إن اختلفا بعد الطيب فقال العامل: الزرع بيننا وقد تساوينا في الزريعة، وقال رب الأرض: الزرع لي وإنما أنت أجير فإن عرفت الزريعة أنها من عند أحدهما فالقول قوله مع يمينه، وإن لم يعلم مخرجها فالقول للعامل لأن العادة في شركة الناس أن العامل يخرج البذر أو نصفه انظر المتيطية والبرزلي. (وحيث زراع ورب الأرض قد تداعيا) وتنازعا (في وصف حرث) أي قلب كما لو قال رب الأرض: دخلنا على أن تحرثها أي تقلبها مرتين ثم بعد ذلك تبذرها. وقال العامل: بل مرة واحدة (يعتمد) يقتصد صفة للحرث وهو تتميم. (فالقول للعامل واليمين) عليه (وقلبها) أي اليمين (إن شاء) أي أن يقلبها على رب الأرض (مستبين) واضح بيِّن. قال في النوادر: وإن تزارعا على أن الأرض والبذر من عند أحدهما ومن الآخر البقر والحرث فطلب أن يحرثها أي يقلبها مرة، وقال الآخر: بل مرتين، فليحملا على سنة البلد فإن لم تكن لهم سنة وكانوا يفعلون هذا وهذا إلا أن الزرع في حرثتين أكمل، ففي قياس قول سحنون أن ليس عليه إلا حرثة واحدة إلا أن يشترط حرثتين فيجوز وتلزمه، ولو عقدا على أنه إن حرث حرثة فله الربع، وإن حرث حرثتين فله النصف لم يجز والزرع لرب البذر وعليه للآخر أجر عمله وبقره. اهـ. وهذا كله يبين لك أن كلام الناظم هنا مبني على أن المزارعة تلزم بالعقد، وأما على مقابله من أنها إنما تلزم بالبذر فلكل فسخها قبله وللعامل أجر قلبه إن كان قلبها والله أعلم.وفي المتيطية: وإن اختلف بعد القلب وقبل الزراعة فقال العامل: دخلنا على أن القلب علي وحدي وأن العمل في الزراعة بيننا. وقال رب الأرض: بل العمل كله عليك واتفقنا على التساوي في البذر فالقول قول من يدعي منهما الاعتدال والتساوي في الزراعة، ثم قال: وإن اختلفا بعد انقضاء الزراعة فقال العامل: إن جميع ما زرعت من عندي وأن نصفها سلف مني لرب الأرض وكذبه رب الأرض وقال: بل دفعت نصيبي فالقول قول العامل بيمينه، فإذا حلف واستوجب سلفه كان الزرع بينهما ويتراجعان الفضل لأن الشركة بينهما فاسدة ما لم يدع العامل أن السلف تطوع به بعد العقد، وإلاَّ فهي صحيحة ولا يتراجعان اه باختصار. وهذا على أنها تلزم بالعقد وإلاَّ فالسلف يفسدها ولو في أثنائها.
|